تشارك

تحوّل ميناء جدة التاريخي إلى مساحة ثقافية نابضة بالحياة مع افتتاح متحف البحر الأحمر، الذي أعاد الحياة إلى باب البنت، البوابة التاريخية للمدينة، ليصبح جسراً بين التاريخ والفن المعاصر. لعقود، كانت الأقواس المزدوجة المنحنية تشير إلى نهاية رحلة الحجاج البحرية إلى مكة والمدينة المنورة، معبرة عن الترحيب والضيافة. شُيّد الباب في عام 1866 وتم توسيعه في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان بمثابة ميناء، ومركز جمارك، ومركز فحص طبي، ما يعكس التنوع والطابع الكوزموبوليتاني لمدينة جدة.

مع توسع المدينة وانتقال الميناء، تدهور باب البنت وأصبح مهجوراً لعقود. وقد أشرفت وزارة الثقافة السعودية على إعادة تأهيله بعناية، محافظين على جدرانه من الحجر المرجاني وأسقفه الخشبية، مع إدماج تجهيزات حديثة. تحت إدارة إيمان زيدان وبمساعدة المهندس الفرنسي فرانسوا شاتيلون، تم الحفاظ على الطابع التاريخي للمبنى مع تلبية الاحتياجات الحديثة من كهرباء وتكييف دون المساس بسحره الأصلي.

يجمع المتحف بين 1000 قطعة أثرية تاريخية وأعمال فنية معاصرة، ليخلق حواراً بين الماضي والحاضر. في الطابق الأرضي، يلتقي الزوار بصور أرشيفية، ومقاطع فيديو من أوائل القرن العشرين، ومرساة حديدية ضخمة وزنها 400 كجم تم انتشالها من البحر الأحمر. تعرض الشاشات التفاعلية وسائط متعددة تسلط الضوء على تاريخ جدة الاجتماعي والاقتصادي والبحري، موضحة دور المدينة كحلقة وصل ثقافية دائمة.

الأعمال المعاصرة تضيف بعداً جديداً للسرد التاريخي. تقدم منال الدويان في عملها نحن الشعاب قطع زجاجية على شكل شعاب مرجانية معلقة من السقف، مسلطة الضوء على جمال وضعف الحياة البحرية بجانب مسبحات مصنوعة من المرجان الأسود النادر. يقدم الفنان اللبناني علي شري عرض المخلوقات الأسطورية مستوحى من أساطير البحر الأحمر، بينما يستخدم الفنان السوداني محمد عمر خليل الكولاج لمقارنة مصائر مدينتي جدة وسواكن التاريخيتين. كما يقدّم المصور البلجيكي هاري غروياير عمل محل الهدايا – البحر الأحمر، مصر، الذي يدمج بين الصور الأرشيفية والمنحوتات للتعبير عن الحياة الساحلية والذاكرة.

في الطابق العلوي، تشير أكواب بورسلان صينية نادرة إلى حطام سفينة أم اللوج، بينما توثق صور المطوف حسن بنا الممارسات التقليدية لتوجيه الحجاج في رحلاتهم المقدسة. تشمل المساحات المخصصة للمعارض المؤقتة معرض بوابة البوابات الذي يوثّق حالة باب البنت قبل الترميم، مسلطاً الضوء على التفاصيل المعمارية وآثار الوجود البشري على مر العقود.

يمثل افتتاح متحف البحر الأحمر أكثر من مجرد ترميم معماري؛ إنه احتفاء بتراث جدة البحري، والتبادل الثقافي، والهوية المحلية. من خلال دمج التاريخ والفن والمجتمع، يوفر المتحف تجربة غامرة للسكان والزوار على حد سواء، لاستكشاف الماضي والحاضر والحوار المستمر للمدينة مع البحر الأحمر.