تشارك

تواصل دبي ترسيخ مكانتها كأحد أهم المراكز الفنية في الشرق الأوسط، مدينة تتقاطع فيها الذاكرة بالتجريب، والتاريخ بالابتكار. وفي هذا السياق، يقدّم «غاليري إيـفـي» في السركال أفينيو معرضاً لافتاً بعنوان «شكل الأشياء القادمة»، يجمع ستة فنّانين دوليين يوظّفون المادة والشكل لسبر التحوّلات التي يعبرها العالم اليوم.

ورغم تباعد الجغرافيا واختلاف الوسائط، يلتقي الفنّانون حول سؤال جوهري: كيف يمكن للفنّ أن يعيد صياغة التاريخ، وأن يفتح أبواباً جديدة لتخيّل المستقبل؟ في مدينة مثل دبي، حيث تتجاور الهويّات وتتفاعل الثقافات، يكتسب هذا السؤال أبعاداً أكثر اتساعاً.

إعادة قراءة التراث… وصناعة سرديات جديدة

تقدّم الفنّانة المصرية إيمان عيسى مقاربة مفاهيمية دقيقة، تستعيد من خلالها رموزاً تاريخية وتعيد تبسيطها إلى أشكال مختزلة ترافقها نصوص موجزة. في أعمال مثل «دراسات تراثية رقم 29»، تتأمّل عيسى كيف تُفهم القطع الأثرية، وكيف تُبنى الذاكرة الجماعية، ومن يملك سلطة روايتها.
وفي فضاء الشرق الأوسط، حيث للتراث حضور مركزي ومعقّد، تأتي أعمالها كدعوة لإعادة التفكير في ما نأخذه كمسلمات.

مادة تتحوّل إلى ذاكرة

أما الفنان الغاني إل أناتسوي فيحوّل المخلفات المعدنية — من أغطية الزجاجات إلى أسلاك النحاس — إلى مسطحات ضخمة تشبه المنسوجات المتلألئة.
تومض أعماله بين الضوء والظل مثل خرائط متحركة، تكشف قصصاً عن التجارة والهجرة والتاريخ المشترك بين الشعوب.
وفي دبي، مركز التبادل العالمي، تكتسب أعماله أبعاداً جديدة تُلامس واقع التنقّل المستمر عبر الحدود.

النسيج كمساحة للمقاومة والشفاء

يأتي الفنان المالي عبدولاي كوناتي ليضيف طبقة أخرى من المعنى عبر وسائطه النسيجية.
في عمله الكبير «المقاومة»، ترتصف شرائط القماش بألوان متدرجة تُحاكي نبضاً جمعياً.
النسيج هنا ليس مجرد مادة، بل حامل لقضايا اجتماعية وسياسية وروحية.
ويعيد كوناتي تأكيد أهمية الصلة بين أفريقيا والشرق الأوسط، مسارات ثقافية ما زالت تتجدد في دبي اليوم.

نصّ، صورة، مقاومة

من خلال إطار «دادا السوداء»، يقدّم الفنان الأميركي آدم بندلتون أعمالاً تستكشف علاقة اللغة بالصورة.
لوحاته المشحونة بطبعات نصيّة وإيماءات تجريدية تدفع المتلقي للتساؤل عن معنى التمثيل، وكيف يمكن للغة أن تكون مساحة للمقاومة.
وفي مدينة متعددة اللغات مثل دبي، يكتسب هذا الحوار نبرة خاصة.

هويّات هجينة في عالم مترابط

تواصل أعمال البريطاني-النيجيري يِنْكا شونيباري تفكيك فكرة الهوية عبر أقنعة تجمع بين التقاليد الأفريقية والمرجعيات الأوروبية.
هذه التركيبات الهجينة تعكس عالمنا المتشابك، حيث تتقاطع السرديات وتتداخل الثقافات.
وفي دبي—نقطة التقاء الشرق والغرب—تبدو هذه الأعمال كمرآة للمدينة نفسها.

العمارة كذاكرة حيّة

تُقدّم الفنانة الأميركية كاري ماي ويمز سلسلة فوتوغرافية تتأمل العمارة بوصفها حاملة للذاكرة.
صورها من غرب أفريقيا تكشف مباني تحمل آثار التاريخ، لكنها تظل فضاءات حاضرة تصنع علاقة بين الماضي وما يزال يتشكل.
إنها قراءة شاعرية للمكان وقدرته على حمل الألم والأمل في آن واحد.

صوت عالمي… من قلب الشرق الأوسط

يشكّل معرض «شكل الأشياء القادمة» أكثر من مجرد عرض فني؛ إنّه حوار بين ست رؤى تُعيد النظر في علاقتنا بالماضي، وتفتح أفقاً لفهم ما يمكن أن يصبح عليه المستقبل.
وباستضافة هذه الأصوات، يساهم «غاليري إيفي» في ترسيخ دور دبي كمركز أساسي في رسم ملامح المشهد الفني العالمي.

المكان: غاليري إيفي، السركال أفينيو، دبي
التواريخ: 11 أكتوبر 2025 – 10 يناير 2026