تشارك

عندما أعلن متحف اللوفر أبوظبي عن معرض “المماليك: إرث إمبراطورية”، لم يكن مجرد حدث ثقافي جديد، بل كان بوابة زمنية تُعيد إحياء إحدى أكثر الحقب تأثيراً وزخماً في التاريخ الإسلامي.

يمتد المعرض من 17 سبتمبر 2025 إلى 25 يناير 2026، ويجمع أكثر من 250 قطعة فنية نادرة تكشف عن عظمة السلالة التي حكمت الشرق الأوسط وصنعت مكانة عالمية لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم.

وقد تم تنظيم المعرض بالتعاون مع متحف اللوفر في باريس، في واحد من أكبر المشاريع البحثية والفنية حول العصر المملوكي.

سلالة بدأت من العبودية وانتهت إلى قيادة العالم

ظهر المماليك أولاً كجنود رُبّوا على فنون القتال والانضباط، قبل أن يرتقوا إلى قمة السلطة ويؤسسوا واحدة من أقوى الإمبراطوريات في العصور الوسطى.

من 1250 إلى 1517، حكم المماليك مصر وبلاد الشام والحجاز وأجزاء من شمال أفريقيا، وأصبحوا حماة الحضارة الإسلامية.
أوقفوا الغزو المغولي في معركة عين جالوت، وأنهوا الوجود الصليبي، وحموا طرق التجارة، وحولوا القاهرة إلى مركز عالمي للعلم والثقافة.

فنانين، دبلوماسيين، علماء — وملوك

على الرغم من أن المماليك يُعرفون غالباً كمحاربين أشداء، إلا أن المعرض يكشف عن عالم أكثر اتساعاً:

حرفيون مهرة

اشتهرت ورشهم بإنتاج:

  • المعادن المحفورة بدقة

  • المنسوجات المصبوغة بألوان غنية

  • الزخارف الهندسية

  • الخط العربي الضخم

  • الخشب المنقوش

  • السيراميك الفاخر

كل قطعة كانت مرآة للقوة السياسية والمهارة الفنية والهوية الثقافية.

دبلوماسيون وحماة التجارة العالمية

كانت لهم شبكة علاقات تربط أوروبا بأفريقيا وآسيا، مما جعل إمبراطوريتهم محوراً للحركة الاقتصادية العالمية.

رعاة العلم والفكر

ازدهرت العلوم الشرعية والفلك والطب والفلسفة والأدب في عهدهم، مما جعل القاهرة مقصد العلماء من أنحاء العالم الإسلامي.

داخل المعرض: رحلة بصرية عبر قرون من الإبداع

يقود المعرض الزوار عبر محطات مختلفة تعرض روائع فنية تعكس تعددية التجربة المملوكية.
من أبرز القطع المعروضة:

  • مخطوطات مذهّبة

  • أسلحة احتفالية ودروع

  • مصاحف ضخمة بخط مملوكي

  • نقوش معمارية من الرخام والخشب

  • أوانٍ معدنية تحمل شعارات السلاطين

  • منسوجات مستخدمة في البلاط الملكي

  • قطع تجارية جاءت من الهند والبحر المتوسط

هذه الأعمال تشكل خريطة فنية تُجسّد اتساع إمبراطوريتهم وتأثيرها العالمي.

جسر بين الحضارات

يأتي هذا المعرض ليعزز رسالة اللوفر أبوظبي: إبراز الروابط التي توحّد تاريخ البشرية.
والمماليك، بطبيعتهم المتنوعة وأدوارهم متعددة الأبعاد، يمثلون مثالاً واضحاً على هذا الترابط.

إن إرثهم يذكرنا بأن الإبداع والمعرفة يمكن أن يكونا أساساً للقوة لا يقلان أهمية عن السيوف.

معرض يعكس روح النهضة الثقافية الحديثة

مع التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط اليوم، يقدم هذا المعرض منظوراً تاريخياً ثرياً وإلهاماً فنياً جديداً.
إنه ليس مجرد عرض للماضي، بل هو حوار بين الأجيال حول الهوية والإبداع والإرث الحضاري.

“المماليك: إرث إمبراطورية” هو احتفاء بفترة صنعت مجداً لا يزال يضيء ذاكرة المنطقة حتى يومنا هذا.