تشارك

على مدار أربعين عاماً، لعبت غاليري سفير-سملر دور بوابة تربط بين الشرق الأوسط والمشهد الفني العالمي، حاملةً رؤى الفن العربي المعاصر إلى الساحات الدولية ومُشكّلة أحد أهم محاور هذا الحوار الثقافي. تأسست الغاليري في ألمانيا عام 1985، ثم اختارت بيروت موطناً ثانياً لها عام 2005، في لحظة سياسية مضطربة لم تمنعها من الإيمان بأن المنطقة تستحق منصّة تُقدَّم من خلالها أعمالها بمعايير عالمية.

هذا العام تحتفل الغاليري بمحطتها الأربعين من خلال معرضين متوازيين: “الحركة المجردة” للفنانة سامية حلبي في فضاء وسط بيروت، و**“الظل”** في موقع الكرنتينا، وهو معرض جماعي واسع من تنسيق جان-مارك بريفو، يضم جميع فناني الغاليري. معاً، يُجسدان جوهر رسالة سفير-سملر: تكريم الرواد من جهة، وفتح الأبواب أمام الحوارات الجديدة والمواهب الصاعدة من جهة أخرى.

غاليري بُنيت على الرغبة في الوصل رغم الانقسام

عندما افتتحت الغاليري أبوابها في بيروت عام 2005، كان البلد غارقاً في عدم الاستقرار السياسي إثر اغتيال رفيق الحريري، ومع ذلك حضر 1800 زائر يوم الافتتاح. كان ذلك دليلاً على تعطّش الساحة الفنية العربية لمؤسسة تمنح الفنانين فضاءً يعادل ما تقدمه المتاحف والمؤسسات الكبرى في الغرب.

على مر السنوات، شكّلت الغاليري منصة مركزية لأسماء بارزة مثل أكرم زعتري، وائل شوقي، إيتيل عدنان، ريان تبّيت، مونيرة الصلح، ومروان ريشماوي. كما لعبت دوراً مهماً في وصول هؤلاء الفنانين إلى دوكيومنتا والبندقية وتمثيل الأجنحة الوطنية في المحافل الدولية.

“الظل”: فنّ يواجه اللحظة السياسية

في معرض الكرنتينا، يكشف “الظل” عن تنوع لغات الفن العربي المعاصر. فكل عمل يشكّل محاولة لملامسة المساحات الرمادية بين التاريخ والسياسة، بين الماضي الذي لا يزول والحاضر الذي يعيد تشكيل نفسه.

من عمل يوتو برادة المستوحى من أغنية “تِبتو ثرو ذا توليبس”، إلى فيلم وائل شوقي “حديقة الأقصى” الذي يكتسب عمقاً جديداً في ظل الأحداث الراهنة، تتجاور الأعمال لتخلق طبقات من المعنى، بعضها واضح وبعضها مختبئ خلف الرموز.

وتبرز أيضاً أعمال ربيع مروّة التي تتناول العنف المتكرر، ومنشآت دانا عورتاني التي تُعيد ترميم الحرير بصبغات عشبية كفعل شفائي يحافظ على الحِرَف المهددة بالاندثار.

سامية حلبي: التجريد كمساحة للحركة والحدس

في وسط بيروت، تطل سامية حلبي بمعرض “الحركة المجردة”، الذي يضم أعمالاً تمتد من ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم. سواء في لوحاتها المفعمة بالألوان أو في تجاربها الحركية المبكرة، تحافظ حلبي على إيمانها بأن التجريد يجب أن يبقى خالياً من التشخيص، مساحة حرة للحركة الإيقاعية وللحوار بين الوعي والحدس.

تشكّل مسيرتها الفنية مرآة لمسار الغاليري نفسه: بحث دائم، ومخاطرة جمالية، ورفض للحدود التقليدية.

إرث مستمر وصوت نحو المستقبل

بهذين المعرضين، تُلخص غاليري سفير-سملر رسالتها: دعم المواهب العربية، تقديمها على منصات عالمية بجدارة، وخلق حوار ثقافي يتجاوز الجغرافيا. وبعد أربعين عاماً، تواصل الغاليري دورها كمحرك أساسي يربط بيروت وهامبورغ والعالم في شبكة مستمرة من الفن والفكر.

“الحركة المجردة” و**“الظل”** مستمران حتى 2 يناير 2026، في محطة جديدة تؤكد أن تأثير الفن العربي يتوسع — وأن المستقبل يحمل المزيد.