تشارك

استضاف جاليري أب-أنبار في لندن خلال نوفمبر 2025 معرض كونية المشاهد المقدّسة للفنانة والمعمارية الفلسطينية ديمة السروجي، وهو عرض أعاد لملمة شظايا الوطن عبر مادة وذاكرة وحرفة. قدّمت السروجي سردًا مقاومًا يعيد توجيه معنى المقدّس بعيدًا عن الروايات المتخيلة، ليصبح تجربة حيّة متجذّرة في الأرض والطقس والتاريخ المتوارث.

إعادة تشكيل صورة “الأرض المقدّسة”

لطالما صُوّرت فلسطين في المخيلة الغربية كفضاء توراتي مجرد، منفصل عن شعبه. عالجت السروجي هذا الإرث البصري المضلَّل عبر عرض يعيد تعريف ما هو مقدّس بالنسبة للأجيال الفلسطينية التي عاشت عقودًا من العنف والاقتلاع وفقدان المكان.

من خلال الأرشيف والحسّ والذاكرة الشخصية، أعادت بناء سجلّ بديل يضع الإنسان في قلب المشهد.

الزجاج شاهداً: التنافرات المقدسة

افتتح المعرض بسلسلة التنافرات المقدسة (2025)—تركيبات زجاجية تتداخل فيها مناظر دينية مطبوعة على زجاج صناعي مع قطع يدوية النفخ تحمل صورًا من أرشيف عائلتها.

تُظهر بعض هذه الصور لحظات مواجهة يومية، منها صورة لوالديها وهما يضعان أقنعة الغاز، وأخرى لسد جاف يكشف بقايا سيارات صودرت خلال عمليات عسكرية. تبرز هذه المقارنات التوتر بين المشاهد المتخيلة والواقع الفعلي.

عمارة الذاكرة: نموذج البيت المقدّس

في الغرفة التالية، يبرز نموذج البيت المقدّس (2025)—مقطع معماري لمنزل أجدادها في الناصرة، مصنوع بتقنية الصدف التقليدية المستخدمة في نماذج كنائس بيت لحم. هنا يتحول البيت العائلي إلى مكان مُكرّس، مقدّس بذاكرته وساكنيه.

طقوس متوارثة: المزارات الممسوحة بالزيت

على الجدران ظهرت المزارات الممسوحة بالزيت (2025)، مستوحاة من محاريب منزل جدتها حيث كانت توضع الشموع. وتحيل هذه الأعمال أيضًا إلى محاريب تاريخية في كنائس فلسطينية اختفت مقتنياتها ونُقلت إلى مؤسسات بعيدة. استبدلتها السروجي بأوعية حجرية مرتبطة بطقوس التطهير—رموز للاستمرار رغم الفقد.

مساحات للحِداد: النذور الشبحية

أكثر الأعمال تأثيرًا كان النذور الشبحية (2025). في غرفة مظلمة، تتدلّى قوالب شمعية لأطراف بشرية فوق شموع خافتة، تصاحبها أجراس كنائس. يستحضر العمل صور الدمار التي شهدها العالم مؤخرًا، ليحوّل النذر الديني—المرتبط بالرجاء—إلى نصب تذكاري لأرواح بريئة فقدت حياتها خلال المأساة المتواصلة في غزة.

إعادة كتابة ما يبقى

في كونية المشاهد المقدّسة، تتحول المادة—الحجر، الزجاج، الصدف، الشمع—إلى حافظ للذاكرة الجمعية. أعادت السروجي إحياء معارف فلسطينية أصيلة طالما تعرّضت للقمع، لتؤكد أنها لم تُمحَ.

أغلق المعرض أبوابه في 29 نوفمبر 2025، تاركًا أثرًا عميقًا يخلّد الصمود والذاكرة وقدسية الأرض.