على مدى عقود، عانت السينما العراقية من الصمت — صمت فرضته الحروب والعقوبات والرقابة، تاركًا الأصوات الإبداعية في البلاد تحاول النجاة في الظل. لكن المخرج حسن هادي كسر هذا الجمود بفيلمه الاستثنائي كعكة الرئيس، العمل الذي خطف الأنظار عالميًا وأصبح رسميًا ترشيح العراق لجوائز الأوسكار 2026.
تدور أحداث الفيلم في الجبايش وتتبع رحلة الطفلة لامية ذات التسعة أعوام، التي تُكلَّف بخَبز كعكة عيد ميلاد صدام حسين — مهمة غريبة فرضها النظام السابق في وقت كان فيه الغذاء نادرًا والدقيق نفسه يُعد ممنوعًا. بالنسبة لهادي، القصة شخصية وسياسية في آن واحد، مستوحاة من ذكريات أصدقاء تغيرت حياتهم بسبب هذه الطقوس القسرية.
“هذا الفيلم هو نتيجة محاولاتي كبالغ فهم طفولتي”، يقول هادي، وهذا الشعور يتغلغل في كل مشهد.
طفولة تحت وطأة الحرمان
نشأ هادي خلال واحدة من أصعب الفترات في تاريخ العراق الحديث. العقوبات الدولية خنقت الاقتصاد، والأسر باعت ممتلكاتها شيئًا فشيئًا للبقاء على قيد الحياة. أما الأطفال، فعاشوا في عزلة عن العالم.
“كنا نعيش في فقاعة. لا أخبار، لا تلفاز. وكأننا في سجن”، يتذكر هادي.
في كعكة الرئيس، يظهر هذا الاختناق في تفاصيل صغيرة لكنها مؤثرة: رفوف فارغة، بدائل مرتجلة، والطائرات الحربية التي تحلق فوق الرؤوس — مراقِب صامت يشير إلى العالم الذي يرى… ولا يتدخل.
نجاح تاريخي
عندما عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان السينمائي، حقق إنجازًا غير مسبوق كأول فيلم عراقي يتم اختياره ضمن البرنامج الرسمي. مزيجه بين الواقعية الجديدة والكوميديا السوداء وبراءة الطفولة أكسبه جائزة الجمهور في أسبوعي المخرجين و الكاميرا الذهبية لأفضل عمل أول.
بالنسبة لدولة تنتج فيلمًا أو اثنين فقط كل عدة سنوات، كانت هذه لحظة فارقة.
“الفيلم سلّط الضوء على السينما العراقية بطريقة لم تحدث من قبل”، يقول هادي. “لكننا بحاجة إلى دعم… بحاجة إلى صناعة وليس مجرد هواة.”
الشفاء عبر الحكاية
يستمد الفيلم قوته من صدق هادي وجرأته في مواجهة ذكريات مؤلمة مليئة بالذنب والفقدان والبقاء. يتحدث عن ألم سماع جملة “لا نستطيع شراء ذلك”، وعن الجروح التي تركتها الديكتاتورية في المجتمع.
صديقه — ملهم قصة لامية — طُرد من المدرسة لعدم قدرته على خبز الكعكة وأُجبر لاحقًا على الانضمام إلى “جيش الأشبال”. وقد توفي لاحقًا.
“ماذا لو كنت أنا؟” يتساءل هادي. هذا الصدق هو جوهر قوة الفيلم.
طريق جديد للسينما العراقية
يعيش هادي اليوم في بغداد، مصممًا على الاستمرار في سرد القصص العراقية — رغم الضغط الذي تسببه الشهرة المفاجئة.
“الفيلم القادم هو ما يخيفني… التوقعات أكبر الآن”، يعترف.
لكن مع كعكة الرئيس، فتح هادي بابًا — لنفسه ولجيل جديد من صناع الأفلام العراقيين الذين يتطلعون إلى إعادة كتابة تاريخهم الفني.
