بصفته القيّم على برنامج ما بعد الفنانين الناشئين في معرض أبوظبي للفنون هذا العام، يقدّم الفنان عصام قُرباج رؤية تجمع بين الحس الفني العميق والخبرة الإنسانية الواسعة. فبينما يشتهر قُرباج بأعمال تتناول الذاكرة والمنفى وأثر الزمن، ينعكس هذا الحس ذاته في مقاربته للعمل القيّمي، حيث يصبح المكان والبيئة نقطة انطلاق أساسية.
هذا العام، أعاد صياغة البرنامج جذريًا عبر توسيعه خارج حدود المعرض، ونقله إلى مدينة العين، بما تحمله من تراث وطبقات تاريخية وطبيعية شكلت الإلهام الرئيسي للفنانين المشاركين.
مدينتان في حوار واحد: لماذا يمتدّ العرض بين أبوظبي والعين؟
اعتاد البرنامج أن يُعرض لعدة أيام فقط ضمن أروقة المعرض. لكن بعد أن عمل قُرباج على مشاريعه الخاصة في العين ضمن برنامج «تكليفات الفنانين»، أدرك أن المكان يحمل إمكانات أكبر.
فطرح السؤال:
ماذا لو أتيح للفنانين الناشئين أيضًا أن يبدؤوا من هنا؟ من المكان ذاته؟
وهكذا جاء القرار بعرض الأعمال في العين وأبوظبي بشكل متزامن:
-
في منارة السعديات حيث الوتيرة السريعة والمدة القصيرة،
-
وفي العين حيث الزمن أبطأ، والمساحات أوسع، والأعمال قادرة على «التنفس» والتفاعل مع المكان.
بهذا، تحوّل العرض إلى تجربة مزدوجة تمنح العمل حياةً أطول ورؤية مختلفة.
توجيه الفنانين خارج حدود “الجاليري”
سعى قُرباج إلى دفع الفنانين الثلاثة — مكتوم المكتوم، آلاء عبدالنبي، وسلمى المنصوري — لتجاوز الفضاءات التقليدية، والبدء من المدينة لا من «الصندوق الأبيض».
استلهم من كلمة العين بمعنييها: عين الماء و العين الباصرة.
ليصبح السؤال: كيف نرى؟ ومن أين تبدأ الحكاية؟
زاروا المواقع معًا، ناقشوا الأفكار، لكنه لم يفرض أي اتجاه أو مسار.
بل قال لهم:
"هذا ما أراه كفنان… أما أنتم، فكيف ستستجيبون للمكان؟"
ثلاثة فنانين… وثلاث مقاربات مختلفة
• مكتوم المكتوم – حكايات الماضي في الحاضر
يبحث في الأساطير والمرويات القديمة، ويعيد مساءلتها في سياق جديد. وجوده في موقع أثري مثل العين عزز هذا الحوار بين الماضي والخيال.
• آلاء عبدالنبي – الماء كجسر بين الهويات
انطلقت من الماء كقيمة كونية تربط ليبيا بمناطق الواحات في العين، لتخلق سردية شاعرية تربط الجغرافيا بالذاكرة.
• سلمى المنصوري – مواد من الواحة تتحول إلى أعمال فنية
تنتمي لعائلة من البدو في المنطقة الغربية، واستلهمت من شجر الواحة لصنع ورق يدوي يشبه النسيج، وتحويله إلى أشكال نحتية تحمل بصمة المكان.
أثر البرنامج على المشهد الفني الإماراتي
يرى قُرباج أن تخصيص معرض أبوظبي للفنون منصة كاملة لدعم الفنانين المحليين خطوة كريمة تعزز من نمو المشهد الفني. فالبرنامج يقدم تمويلًا، وتوجيهًا فنيًا، وفرص عرض محلية ودولية — وهي عناصر تُعدّ نادرة لأي فنان ناشئ.
وما يميّز المشهد الإماراتي اليوم هو انفتاحه على الجميع — الإماراتيين والمقيمين — لبناء مجتمع فني متكامل.
مشروع قُرباج الخاص: “طبقات العين” عبر مواقع متعددة
إلى جانب دوره كقيّم، يقدّم قُرباج سلسلة أعمال بعنوان طبقات العين موزعة على:
-
حديقة هيلي الأثرية
-
مركز القطارة
-
متحف العين الجديد
تتناول الأعمال طبقات الذاكرة وتحوّلات الرؤية، وتستند — كما يشير العنوان — إلى المعنى المزدوج لكلمة العين.
إنها دعوة لإعادة النظر في الزمن، وفي العلاقة بين الإنسان والمكان.
خاتمة
بمزجه بين الفن والمكان والذاكرة، يفتح عصام قُرباج آفاقًا جديدة للفنانين الصاعدين.
فالمعرض هنا ليس مجرد مساحة عرض، بل رحلة لاكتشاف البيئة، والذات، وطريقة جديدة لرؤية العالم.
معرض أبوظبي للفنون يُقام من 19 إلى 23 نوفمبر.
