يأتي الزوار إلى هضبة الجيزة كل عام ليتأملوا الأهرامات الشاهقة التي تجاوزت في عمرها دولًا وحقبًا بأكملها. لكن هذا العام، لا يكتفي المشاهد بملامسة التاريخ، بل يدخل في حوار جديد بين الماضي والحاضر، مع عودة معرض «الأبد هو الآن» في نسخته الخامسة، حيث تمتزج الأعمال الفنية المعاصرة مع أطلال الحضارة الفرعونية في مشهد ثقافي فريد.
بتنظيم من آرت دي إيجيبت وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، يدعو المعرض فنانين من دول مختلفة لابتكار أعمال تتفاعل مع ضوء الصحراء ورياحها ورموز مصر القديمة. تنتشر الأعمال على الجانب الجنوبي من الهضبة، حيث تقف في مواجهة الأهرامات، لتقدم قراءة حديثة لتراث يعود لآلاف السنين.
يستقبل الزائر في البداية عمل «أبواب القاهرة» للفنانة البرتغالية فيلز، وهو تركيب ضخم مكوّن من 65 بابًا مستعملًا جُمعت من أحياء قديمة في القاهرة، بعضها من ورش النجارة، وبعضها الآخر من مناطق تعتمد على إعادة التدوير. تُشكّل الأبواب، المثبّتة على هيكل معدني، مدخلًا رمزيًا بين يوميات المدينة وحديث الزمان.
وفي الجوار، تتلألأ منحوتات «أصداء اللانهاية» لأليكس بروبا، ثلاث قطع حجرية مصقولة بألوان زاهية تصطف لتتوافق بصريًا مع خطوط الأهرامات خلفها. من بعض الزوايا، يبدو أن العمل يندمج مع هندسة الهضبة، ليمنح لحظة يتداخل فيها الجمال المعاصر مع هيبة الماضي.
أما عمل «نُل» لمجموعة «ريسايكل غروب» الفرنسية، فيقدم وقفة فلسفية من خلال دائرة ضخمة على شكل صفر تحتضن المشهد الفرعوني خلفها، وتلمح لدوائر البداية والنهاية والعودة، في تناغم مع طبقات الهوية المصرية الممتدة عبر العصور.
وتبرز «زهور الصحراء» للفنان اللبناني نديم كرم كأحد أكثر الأعمال تعبيرًا هذا العام. ثلاث منحوتات تمثل مراحل تفتح زهرة اللوتس — الرمز الفرعوني العريق — مصنوعة من معادن مُعاد استخدامها. تمنح هذه المواد المهملة حياة جديدة، وتقدم قصة عن التجدد والنهوض وسط رمال الصحراء الذهبية.
وتقدّم الفنانة الإيطالية آنا فيراري عملًا يعتمد على الصوت والحركة في «الريح»، وهو تركيب مكوّن من 21 أنبوبًا معدنيًا طويلًا تصدر نغمات مختلفة مع مرور الهواء خلالها. تنعكس أشعة الشمس بواسطة مرايا يحملها مساعدو الفنانة، ليصبح العمل أداءً بصريًا وصوتيًا يشارك فيه عنصر الطبيعة.
وتشارك مصر هذا العام بعمل الفنانة صالحـة المصري بعنوان «ماعت»، وهو تجسيد ضخم لخاتم ملكي فرعوني. يستطيع الزوار الوقوف داخل هذا الخاتم الذي نُقشت على سطحه الخارجي نصوص من كتاب الموتى. وفي الداخل تظهر الإلهة ماعت، رمز الحق والعدل، التي كانت تزن قلوب الموتى قبل رحلتهم إلى العالم الآخر. يتحول العمل إلى مساحة للتأمل في معنى العدالة والمسؤولية الأخلاقية عبر الزمن.
وبينما يتنقّل الزوار بين الأعمال، تنقلهم الحافلات الكهربائية من «البوابة العظمى» التي افتُتحت مؤخرًا ضمن مشروع تطوير هضبة الجيزة، ما يعزز سهولة الحركة ويحافظ على جمال المكان.
يحوّل معرض «الأبد هو الآن» الصحراء إلى مسرح للحوار بين حضارتين — حضارة حجرٍ لا يشيخ، وفنّ معاصر يحتفي بالتجدد، وإعادة الاستخدام، وإحياء الجمال وسط الزمن.
يستمر المعرض حتى 6 ديسمبر، والدخول مجاني لزوار الهضبة ضمن تذكرة دخول منطقة الأهرامات.
