تشارك

في قلب المشهد الإبداعي في الدوحة، برز تعاون فني مدهش يجمع بين العراقة والحداثة، وبين التراث المصري والرؤية القطرية المعاصرة. أطلقت دار السجاد المصرية Kahhal 1871 بالتعاون مع المصمّمة القطرية شيخة آل سُليطي المجموعة الإلهية، وهي سلسلة من السجاد اليدوي الفاخر وسجادات الصلاة التي تعيد تفسير الهندسة المقدّسة بلغة تصميم معاصرة.

وجرى الكشف عن المجموعة في استوديو 7 تحت عنوان «لغة الصانع، تُقال من جديد»، في فعالية احتفت بالتقاء الفن والحرفة والروح. هذا المشروع لا يقدّم مجرّد تصميم فني، بل يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمقدّس، بين الصنعة والإلهام، وبين الجذور والتجديد.

التقاء التراث بالابتكار

تُعدّ Kahhal 1871 من أعرق دور صناعة السجاد في مصر والعالم العربي، تأسست في القاهرة عام 1871 واشتهرت بحرفيتها الرفيعة ودقّتها المتناهية في النسيج اليدوي. أما شيخة آل سُليطي، فهي من أبرز المصمّمات في قطر، وتشتهر بقدرتها على تحويل الرموز التراثية الخليجية إلى رؤى معاصرة تمزج الأصالة بالبساطة والعمق الجمالي.

جاء هذا التعاون ليعبّر عن تلاقي فني وروحي، إذ تضمّ المجموعة الإلهية أربعة سجاد أرضيّ ووصيلة وسجادتين للصلاة، جميعها منسوجة يدوياً بعناية فائقة، استغرق تنفيذ بعضها ما يصل إلى تسعين يوماً من العمل الدؤوب بخيوط الصوف والحرير.

هندسة مقدّسة تنطق بالمعنى

تكمن جوهريّة التصميم في رموزه الهندسية التي تتجاوز الزخرفة لتعبّر عن فلسفة روحانية عميقة. كل سجادة صلاة تحمل ستّ نجوم على جانبيها، تتوزع فوق سبعة أنماط مترابطة ترمز إلى السبع سماوات، بينما يرمز الارتباط الثامن إلى أبواب الجنة. وعند وصل السجادتين معاً، تتناسق النجوم في تناغم مثالي يرمز إلى الوحدة والكمال الإلهي.

كما تتميز المجموعة بنظام تصميم معياري يسمح بدمج القطع لتشكّل تركيبات أكبر، سواء في البيوت أو المجالس أو المساحات العامة، في تجسيد رمزي لفكرة الاجتماع والوئام.

المادة كذاكرة

تمتاز الأسطح المنسوجة بتدرّجات ناعمة ولمسات تشبه الرخام، تحمل في خيوطها آثار الأيدي التي نسجتها وذاكرة الأجيال التي سبقتها. فكلّ عقدة هي قصة، وكلّ خيط هو صدى للزمن والهوية.

يقول محمد الكحلّ، المدير العام لـ Kahhal 1871، إن المجموعة الإلهية «احتفاء بما يوحّد منطقتنا عبر الحدود، بإحساس مشترك بالروحانية والفن والإرث». فيما تؤكد شيخة آل سُليطي أنّ إلهامها جاء من «تعاليم الثقافة العربية الخالدة — الإيمان بالحبّ، والوحدة، والقوّة من خلال التآزر».

التصميم كحوار روحي

تحمل كل قطعة في المجموعة قصتها الخاصة؛ بعضها يستحضر سكون الصلاة، وأخرى تستلهم هندسة العمارة الإسلامية، وأخرى تعبّر عن توازن الضوء والظل. فالتصميم هنا يتجاوز الزخرفة، ليدعو إلى التأمل والسكينة.

بهذا التعاون، لا يقدّم الفن مجرّد جمال بصري، بل يفتح باباً إلى حوارٍ بين الإنسان والخالق، بين الماضي والمستقبل، وبين الحرفة والروح. إن المجموعة الإلهية ليست مجرّد قطعٍ من السجاد، بل لوحات روحية تنسج خيوطها بين مصر وقطر، بين التاريخ والحداثة، بين الأرض والسماء.