تنطلق فعالية منار أبوظبي هذا العام في رحلة جديدة من البحر إلى الصحراء، لتتّخذ من مدينة العين – مدينة الواحات والتاريخ – مسرحاً مفتوحاً للفن والضوء والتراث
تحت عنوان «البوصلة الضوئية»، تتحوّل واحتَا القطارة والجيمي إلى معارض فنية مضيئة في الهواء الطلق، حيث يجتمع الفنانون من الإمارات والعالم ليجسّدوا علاقة الإنسان بالمكان والزمان من خلال الضوء.
من الساحل إلى الواحة
بعد أن أضاءت الفعالية في نسختها الأولى شواطئ العاصمة وجزرها، تتّجه هذا العام نحو الداخل، إلى الهدوء والسكينة التي تميّز واحات العين. الانتقال من الماء المالح إلى العذب يحمل دلالة رمزية عن التحوّل، التأمل، والبحث عن الذات. هنا يصبح الضوء لغةً للحوار، لا للعرض فقط، فيكشف جمال الطبيعة ويعيد قراءة التراث بروح معاصرة.
تندمج الأعمال الفنية مع عناصر الواحة – أشجار النخيل، القنوات المائية (الفلج)، والمنازل الطينية القديمة – لتقدّم تجربة حسّية تجمع الماضي بالحاضر، والهدوء بالتجدد.
أبرز الأعمال الفنية
-
سجادة السدو الحمراء للفنان خالد شِفار: طريق مضيء بالأحمر يشبه نقوش السدو التراثية، يُقدّم تجربة تمزج الفخر بالهوية مع الإحساس بالترحيب والاحتفاء.
-
نَفَسُ نفس المكان للفنانة ميثة حمدان: شجرة غاف واحدة تتزيّن بأسلاك مضيئة تتغيّر ألوانها تدريجياً، وكأنها تتنفس الضوء وتعبّر عن علاقة الإنسان بالأرض.
-
دورة الدوائر للفنان عمّار العطار: سلسلة صور تُجسّد فكرة العودة المتكرّرة إلى نقطة البداية في مسيرة الحياة، مع ضرورة الاستمرار في الحركة رغم التكرار.
-
الرنين الزهري للفنان كريستيان برينكمان: عمل تفاعلي يستجيب للمس والاقتراب، فيعرض أشكالاً ضوئية تشبه أزهاراً تتفتح في الهواء.
-
كما يقدّم عبدالله المُلّا عمله الستائر الهادية المستوحى من حركة النجوم، إلى جانب أعمال ضوئية تفاعلية للفنان رافاييل لوزانو هِمر التي تستكشف العلاقة بين الضوء والفضاء الإنساني.
كل عمل يعكس رحلة داخلية نحو الضوء، تماماً كما كان البدو والبحارة يسترشدون بالنجوم. إنها تجربة تأملية تُعيد للظلام معناه الجميل – كمكان يولد فيه النور.
بين التراث والابتكار
اعتمد فريق التنظيم نهجاً دقيقاً في تنصيب الأعمال داخل مواقع تاريخية مدرجة على قائمة التراث العالمي. فالتعاون مع علماء الآثار وخبراء البيئة كان أساسياً لضمان انسجام الفن مع روح المكان. والنتيجة هي توازن نادر بين الأصالة والتجديد، بين الذاكرة والجمال الحديث.
تسعى «منار أبوظبي» إلى أن تجعل الفن العام تجربة انتماء، حيث يتحوّل المشي بين النخيل إلى حوار بين الإنسان والطبيعة، وبين الضوء والظل، في رحلة تدعو إلى التوقف والتأمل.
تجربة حيّة للمجتمع
لا يقتصر الحدث على المشاهدة فقط؛ بل يضم جولات تعريفية، ورش تصوير وفنّ ليلي، ومقاهي مؤقتة تعزز روح التواصل المجتمعي. العائلات والطلاب والفنانون يسيرون معاً بين الممرات المضيئة، يتبادلون الحديث حول الأعمال وما تعنيه لهم، ليصبح الفن مساحة لقاء لا مجرد معرض.
أهمية الحدث
تجسّد توسعة «منار أبوظبي» نحو العين العلاقة بين البحر والصحراء، بين الحداثة والذاكرة. إنها رسالة بأن الفن المعاصر لا يُلغِي التراث، بل يُعيد اكتشافه. فحين تتلاقى المياه القديمة مع الضوء الحديث، يولد معنى جديد للجمال والانتماء.
ومع حلول الليل، تُضيء الواحات بهدوء؛ تتلألأ الجداول المائية بألوان ناعمة، وتتحرّك الظلال بين جذوع النخيل.
في هذه اللحظات، يتحوّل الضوء إلى بوصلة لا ترشد إلى الطريق فقط، بل إلى الذات أيضاً.
