في مجموعته الجديدة، يحوّل الرسّام السوري إيلياس إيزولي صوراً مألوفة من عالم السيرك—مهرّجون، مشاة الحبل، فنانو الأرجوحة—إلى استعارة حمّامة لحياة السوريين تحت حكم بشّار الأسد. اللون الزاهي يلتقي بالسكون العميق، والعرض يتحوّل إلى مسيرة بقاء.
يعود إيزولي بعد غياب إلى اللوحة من خلال معرضه Inside Out ’25 في معرض أيّام دبي. في هذه السلسلة، لم يعد الفنانون على الخشبة لفرجة: المشاة على الحبال ينظرون إلى وجهة ما بنظر ألف ميل، وفنّانو الأرجوحة يتأرجحون وعيونهم مغمضة ليس خوفاً بل رغبة في أن يكونوا في أي مكان آخر. المهرّجون الذين يضعون المكياج في المرآة، ينظرون إلى أنفسهم بعيون حزينة، كأنّ أقنعتهم تذكّرهم بأقنعتنا اليومية
«كل سوري يعرف ما أتحدّث عنه»، يقول إيزولي: «تستيقظ صباحاً، تمرّ من نقاط تفتيش وحواجز، لا تنطق بكلمة. تشعر أنك في سيرك، تسير على الحبل وتحاول أن تحافظ على توازنك»
بمقدّمته هذه، يُرينا أنَّ فنّ الاستعراض قد استبدلته مروحية السياسة؛ والمخرج غاب لكن لم تغب الكاميرا.
من الناحية التقنية، يمزج إيزولي الأكريليك مع الكولاج الورقي على القماش، ليخلق سطحاً ملموساً يشعر فيه المشاهد بأن هناك حاجزاً بينه وبين المجس
وبرغم أنّ ألوانه تبدو فرحة من الخارج، إلا أنها محمّلة بمآسي: «هو حب للّون»، يقول الفنان، «ليس لأنني سعيد أو حزين… أحب أن أرمي الألوان كطفل لديه ألوان».
في جوهره، يدعونا المعرض إلى التساؤل: ما معنى أن تقدّم عرضاً؟ أن تبتسم، أن تلوّح، أن تمشي على الحبل — ليس من أجل تصفيق، بل من أجل البقاء. ويشرح إيزولي: «تحاول أن تثبت لنفسك أنك تحتاج أن تبقى… ليس للناس أو للآخرين، بل لنفسك».
رغم أن السياق السوري هو المحور، إلا أن إيزولي لا يتوقّف عند ذلك: لوحة لـ «مهرّج بثوب أسود»، بحسبه، تذكّرنا بمآسي المنطقة (غزة مثلاً)
ثم يتحوّل السيرك إلى استعارة عالميّة للتوتر: فرحة تحت القيود، عرض تحت الرقابة، حركة تُقبِع.
اختار إيزولي أن يكون عنوان كلّ عمل «بدون عنوان»، ما يزيد من غموضه: قد يكون العرض لي أو لك أو لهم. الخيمة تُرفع، لكن الحقيقة تِبقى: العرض مستمر، لكن الثمن خفيّ
للباحثين والمشاهدين سواء، يدعو معرض Inside Out ’25 إلى الدخول في عالم حيث الأضواء الساطعة قد تذهلك، حيث الضحك يخفي الخوف، حيث كلّنا — ندري أو لا ندري — نسير على الحبل.
