على مدى عقود، كان صعود المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة أكثر من مجرد إضافة جديدة للسياح. لقد أصبح استعارة حيّة للتطلعات، والتحديات، والتحولات العميقة التي يعيشها المجتمع المصري الحديث.
منذ رؤيته الأولى في تسعينيات القرن الماضي وحتى افتتاحه الرسمي في نوفمبر 2025، تعكس رحلة المتحف المصري الكبير محاور أساسية في قصة مصر الوطنية: صراع بين التراث والحداثة، الأمل في مواجهة التأخير، والتجديد وسط الاضطرابات. يقع المتحف على بُعد خطوات من أهرامات الجيزة، ليجسّد تمامًا تداخل الماضي بالحاضر.
التراث في مواجهة التغيير:
يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز توت عنخ آمون، والتماثيل الضخمة مثل تمثال رمسيس الثاني الذي يزن 83 طنًا. يتناغم تصميم المتحف مع الأهرامات المحيطة، حيث يجمع بين الحجر الصحراوي والزجاج والإطلالات البانورامية، ليخلق صلة بصرية وروحية بين عالم الفراعنة وزوار القرن الحادي والعشرين.
التأخيرات والصمود:
بدأ بناء المتحف فعليًا عام 2005، لكنه تأخر مرارًا بسبب الاضطرابات السياسية، والأزمات الاقتصادية، والأحداث العالمية مثل جائحة كوفيد-19. ورغم هذه العقبات، فإن قصة المتحف تعكس قدرة مصر على المضي قدمًا، متمسكة بجذورها وهويتها رغم التحديات.
حيّ تغيّر ملامحه:
بالنسبة لسكان منطقة الهرم المجاورة، غيّر المتحف حياتهم اليومية بشكل واضح. فطرق جديدة فُتحت، والبنية التحتية تطورت، وازدادت الأنظار الموجهة إلى المنطقة. لم يكن المشروع وطنيًا فقط، بل محليًا أيضًا، حيث لمس أثره كل من يعيش بالقرب منه.
رمز للاستمرار والتجدد:
مشهد الرافعات وهي ترتفع في السماء ثم تُستبدل بمبنى مذهل بات رمزًا لنهضة مصر الحديثة. لقد شاهد السكان بأعينهم كيف يتحول الحلم إلى واقع، وكيف تلتقي الجذور القديمة بالطموحات الحديثة في مشهد واحد.
ما الذي ينتظر مصر بعد الافتتاح؟
لا يقتصر دور المتحف المصري الكبير على حفظ الآثار، بل يتجاوز ذلك ليصبح محركًا رئيسيًا في استراتيجية مصر السياحية، عبر جذب المزيد من الزوار والاستثمارات. وسواء حقق كل التوقعات أم لا، فإن وجوده وحده يُعد علامة فارقة في مسيرة التغيير الثقافي والتنمية الوطنية.
باختصار، المتحف المصري الكبير ليس مجرد متحف. إنه مرآة لطموحات مصر: ثقل التاريخ، وواقع الحياة اليومية، ووعد التجدد. ولدى كثير من المصريين – خصوصًا أولئك الذين يعيشون في ظله – يمثل المتحف قصتهم الشخصية التي تنهض حرفيًا بجوار أحجار الأهرامات القديمة.
