في قلب بيروت، يفتح متحف سرسق أبوابه لفصل جديد من التراث الثقافي العربي مع وصول معرض الديفات: من أم كلثوم إلى داليدا. بعد جولاته في باريس وأمستردام وعمان يحطّ المعرض رحاله في لبنان ليعرض أصوات وصور وإرث أبرز المغنيات والممثلات في العالم العربي.
من حضور أم كلثوم وفيروز على المسرح إلى أدوار داليدا ووردة الجزائرية الجريئة على الشاشة، يعرض المعرض كيف لم تكن هؤلاء النساء مجرد فنانات، بل صانعات للهوية، متحدّيات للأعراف، ومؤسسات لمساحات جديدة للتعبير الأنثوي.
عودة للأيقونات
لطالما كانت بيروت مفترق طرق للفن والموسيقى والسينما في العالم العربي. استضافة هذا المعرض هنا ليست مجرد اختيار مكاني، بل هي عودة إلى الجذور. فالكثير من هؤلاء الديفات تعاونّ في بيروت، وسجّلن أغانيهنّ، وقدّمن حفلاتهنّ فيها. عودة الذكريات إلى هذا الفضاء الفني تمنحها عمقاً جديداً ومعنى خاصاً.
أكثر من تذكار
يتجوّل الزائر داخل القاعات ليجد مزيجاً من الصور الفوتوغرافية، أزياء المسرح المتألقة، مقاطع الأفلام الأرشيفية، أقراص الفينيل، والتركيبات الفنية الغامرة. كل قطعة تروي قصتين: مسيرة الديفا من جهة، وتاريخ المرأة العربية في الحياة العامة من جهة أخرى.
بصرياً، يوازن المعرض بين البذخ والمضمون. على أحد الجدران ترى فستاناً متلألئاً، وعلى الآخر عنواناً قديماً من خمسينيات القرن الماضي يتحدث عن دور المرأة المتغير في المجتمع العربي. هذا التوازن بين الجمال والفكر يمنح التجربة تأثيراً خاصاً.
الإرث والمعنى
ما أهمية إعادة تسليط الضوء عليهنّ اليوم؟ لأن إرثهنّ لا يزال حياً. يعرض المعرض كيف انتقلت هؤلاء النساء بين التقليد والحداثة، وكيف وصلن بين القاهرة وبيروت، وبين المغرب وباريس، وبين الإذاعة والسينما. قصصهنّ لا تزال حاضرة في النقاشات حول الهوية والنسوية والوعي الثقافي.
وللأجيال الشابة، هناك سحر إضافي: إذ قام منتجو الموسيقى الحديثة بإعادة دمج أصوات أم كلثوم وأسمهان في إيقاعات معاصرة، جاعلين إرثهنّ جزءاً من الثقافة الرقمية اليوم. المعرض يجمع الأجيال — يدعو الكبار إلى التذكّر، والشباب إلى الاكتشاف.
تجديد ثقافي وسط التحديات
واجهت المؤسسات الثقافية في بيروت في السنوات الأخيرة تحديات اقتصادية وبنيوية واجتماعية عديدة. ومع ذلك، يأتي هذا المعرض ليحمل رسالة أمل مفادها أن الفن والذاكرة لا يزولان. اختيار متحف سرسق لاستضافة هذا الحدث يؤكد أن بيروت لا تزال حاضنة للإبداع والحوار الثقافي.
معلومات الزيارة
المكان: متحف سرسق، بيروت
التواريخ: من 17 تشرين الأول 2025 إلى 11 كانون الثاني 2026
سواء كنت من عشّاق الفنّانات الأسطوريات، أو مهتمّاً بالموسيقى والسينما، أو محبّاً للتاريخ، فإن هذا المعرض يقدّم تجربة غنية تُلامس الحنين والإعجاب في آنٍ واحد.
