تشارك

في منطقة تشتهر بالتطوّر السريع، ناطحات السحاب، والمنتجعات التي تجذب العناوين الكبيرة، يتغيّر نمط السفر بهدوء — ليس فقط في البُنى التحتية، بل في العقلية أيضاً. يختار عدد متزايد من المسافرين الآن أن يُطيلوا الإقامة، وأن يسلكوا مساراً أبطأ، وأن يسافروا بنية واضحة. حيث كانت صورة مع معلم كافية، فإنّ ما يبقى اليوم هو شاي بعد الظهر في السوق، أو مشوار الصباح عبر الكثبان، أو إقامة لثلاث ليالٍ في مخيم صحراوي.

التحول نحو السفر البطيء والواعي

أظهرت دراسات في الخليج أن غالبية كبيرة من المسافرين في الإمارات والسعودية خاضوا بالفعل «عطلة بطيئة» — أي رحلة بتوقّف أقل، وإقامة أطول، وارتباط أعمق بالثقافة المحلية. 
تعكس هذه العطلات قيمًا أوسع: أصبحت البيئة، والحياة المحلية، والمعنى أكثر حضوراً من مجرد التنقّل بقدر الإمكان.

الأصالة قبل البهرجة

بعض أبرز تجارب السفر في المنطقة هي تلك التي لا تُضخّم في العناوين: فنجان قهوة مع راعٍ في الصحراء، غداء مع أسرة جبلية، أو مشاهدة سماء الليل بلا أضواء المدينة. في لبنان، بدأت مسارات المشي في المناطق النائية تجذب زوّاراً يبحثون عن أكثر من الشواطئ والحياة الليلية. 
وفي الخليج، بدأت المنتجعات الفخمة تضيف غايات: برامج استدامة، تواصل حقيقي مع المجتمع المحلي، ومساحات يُحتفى فيها بـ«عدم الفعل» كجزء من التجربة.

التقنية والسفر: توازن جديد

بعكس الفكرة التي تظن أن السفر البطيء يعني ابتعاداً عن التقنية، يظهر ما هو أكثر ذكاءً: التقنيات التي تمكن الاكتشاف العميق. فالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل تساعد المسافرين على العثور على القرية الأقل شهرة، أو الإقامة البيئية الصغيرة أو الحي التراثي المشيّات، وليس فقط المنتجع الضخم. بالتالي، فإن التقنية ليست عائقاً للحضور — بل مكّن له.

العائد: تجارب تذوب في الذاكرة

لماذا السفر البطيء في هذه المنطقة؟ لأن العائد مختلف. عوض أن تعود بعدد من المعالم التي تم “زيارتها”، تعود بقصص: صمت عند الغسق في الصحراء، دفء مطبخ قرية، نخيل يتحرك بعد رحيل الحافلات السياحية.
وبهذه الطريقة، يصبح السفر في الشرق الأوسط اليوم أقل سباقاً وأكثر عودة إلى الأساسيات: الزمن، الاتصال، المكان.

الخاتمة

يقدم الشرق الأوسط الجديد والعتيق: إطلالات ناطحات سحاب ومسارات قديمة؛ مدناً ذكية وسكينة الصحراء. ولكن ربما الاختراق الحقيقي هو هذا: إدراك أن كيف تسافر له نفس أهمية أين تسافر.
اختر الحضور. اختر الإقامة الأطول. اختر الأصالة. ولتكن الرحلة ليست فقط ليراها الآخرون، بل لتشعر بها أنت.